
قامت المرشحة لعضوية الكونغرس الأمريكي من ولاية تكساس بإحراق نسخة من القرآن الكريم، إلى جانب تهديدها بالقضاء على الإسلام في تكساس، وطالبت بطرد المسلمين الأمريكيين إلى دولهم السّبع والخمسين، «قبل أن يقطعوا رؤوس أبنائكم ويغتصبوا بناتكم». وقالت في صفحة لها على منصة (إكس) إنّه «لا إلهَ حقيقياً إلا إلهُ إسرائيل». وحسب التوراة فإنّ إلهَ إسرائيل ينحصر باليهود أنفسهم، بينما إلهُ المسلمين أمميٌ ولجميع العالمين، ويعتبر أنّ جميع المخلوقات من خلقه وأنّه هو ربهم وهو المسؤول عنهم جميعهم.
فالنتينا جوميز تَركب موجة العداء للإسلام، لكسب شعبية، علماً أن نسبة المُسلمين في تكساس هي 1.1% وفي أمريكا كلّها هي 1.3% فقط. بهذا تقول فالنتينا للشّعب في تكساس صوّتوا لي لأنّني أكره المُسلمين، وادعمني أيها اللوبي الصهيوني لأنّني أعلن أنّ إله إسرائيل هو الإله الحقيقي، ادعموني لأنّني أحرّض ضد المسلمين، في الوقت الذي ترتفع أصواتٌ كثيرة ضد جرائم إسرائيل في فلسطين.
تتوقع فالنتينا في أحلامها الجميلة أن يخرج الملايين إلى الشّوارع بعد صلاة الجمعة في باكستان وأفغانستان وإندونيسيا للتنديد بها، وسيكون وضعها رائعاً، إذا ما صدرت فتوى تبيح قتلها، فترتفع شعبيتها وتفوز بعضوية الكونغرس. ولكن لأسفها الشّديد، فإن هذا لن يحدث، ليس لأنّ المسلمين أدركوا أنّ هذه واحدة من قطعان كثيرة تنبح، ويجب تجاهلها، ولا لأنّهم تنازلوا عن عقيدتهم، بل ولسبب بسيط وفارق جوهري هو أنّ فالنتينا مواطنة أمريكية، وفعلتها هذه لن تحظى برد غاضب، كما لو كانت مرشّحة في دولة إسكندنافية أو أوروبية. في «يديعوت أحرونوت» نشر الخبر بأنّ «العالم الإسلامي يغلي»! وهذه أيضا كذبة إعلامية، فلا أحد يغلي ولا يبرد.
يا آنسة فالنتينا لقد دمّرت إسرائيل وإله إسرائيل العنصري الجديد، أكثر من ألف مسجد، وأحرقوا آلاف المصاحف خلال أقل من عامين؟ وقتلوا أكثر من خمسة وستين ألف مسلم، معظمهم من النّساء والأطفال، الذين لم تكن لديهم أي نيّة باحتلال أمريكا، أو تكساس بالذات، ولا فرض الإسلام على أهلها، ولا تغيير دستورها، بل جاء زعيم حزبك الجمهوري ليوافق ويدعم هدم مدنها ومخيّماتها، بادّعاء أنّه يريد لهم أن يعيشوا في مكان أفضل، طمعاً بأن يحوّلها إلى ريفييرا للمستثمرين، وطمعاً بإرضاء إله إسرائيل الذي يحكم أمريكا، هذه هي أخلاقكم، وأخلاق حزبكم وأخلاق إله إسرائيل. أما ردّ الدّول السّبع والخمسين فهو كما رأيتِ في مؤتمرهم الأخير، ليس سوى بيان إسقاط واجب، كان من الممكن صياغته من غير عناء سفر، فهو جاهز منذ عقود. إله إسرائيل بمباركة حزبك وسلاح بلادِك جوّع نسل إسماعيل وهاجر حتى الموت، بينما تقف آلاف الشّاحنات على حدود المصريين تنتظر موافقة إله إسرائيل الجديد ليسمح لها بالدّخول.
*زعيم البرازيل لويس لولا دي سيلفا، رفض استقبال سفير دولة إسرائيل بسبب جرائم الحرب والإبادة، بينما تعقد الصفقات العربية الإسرائيلية في العلن وفي السّر
هذه أمة منافقة، وأقصد أمّة العرب، فهي تميّز بين دم ودم. زعيم البرازيل المسيحي الكاثوليكي لويس لولا دي سيلفا، رفض استقبال سفير دولة إسرائيل بسبب جرائم الحرب والإبادة، بينما تعقد الصفقات العربية الإسرائيلية في العلن وفي السّر. عندما تسفك دماء عشرين ألف طفل عربي مسلم في قطاع غزة، فإنّهم يدعون إلى التسامح، وتتسّع صدورهم للمزيد من القتل والهدم والتنكيل. أما لو كان هذا دم طفل واحد أمريكي، أو أوروبي أو إسرائيلي، لرأيت نخوة هذه الأمة العربية وإنسانيتها وشهامتها. هل تعلمين أيتها العنصرية الصغيرة، أن اسم سارة زوجة إبراهيم أكثر انتشاراً عند العرب من اسم أمّهم هاجر؟ هل تعلمين أن مقابل كل اسم هاجر واحد يوجد خمسين اسم سارة عند العرب والمسلمين؟ وسارة ليست أمّهم، سارة زوجة جدّهم إبراهيم أبي إسماعيل، التي أخذتها الغيرة من الجاريّة هاجر وأمرت إبراهيم بطرد أم العرب مع رضيعها، وقد فعل ذلك. لهذا يحتفل المسلمون ويسعون بين الصفا والمروة ويشربون من ماء زمزم، احتفالا بنجاة إسماعيل ووالدته رمز التضحية والفداء من كيد سارة.
رغم هذا وبلا أي منطق، تجدين أن اسم سارة متداول عند العرب بينما اسم هاجر مهجور، لا تكاد تجد من بين كل عشرة آلاف أنثى واحدة باسم هاجر، تخلّوا عن أمّهم ولحقوا سارة فماذا تأملين منهم! سألت الذكاء الصناعي عن مدى انتشار اسم سارة وهاجر لدى العرب، فقال إن اسم سارة أكثر انتشاراً بكثير، وأنّه في أعوام سابقة كان من الأسماء العشرة، وحتى الخمسة الأوائل بينما اسم هاجر لا يكاد يذكر، ولم يظهر ولا حتى في العشرين الأوائل في أيّة مرحلة! سألته «ألا تعتقد أن في هذا شعوراً بالنّقص وذلك أنّهم أبناء الجارية المصرية! أي أنها عبودية قديمة عمرها حوالي أربعة آلاف عام، تسري في عروق العَرب، وأشكّ بأن يتحرّروا منها. فقال: إن الإسلام أنصف هاجر، وجعلها شخصية مركزية، وعبّر عن ذلك في مراسم الحج. ولكن ما زال اسم هاجر مرتبطا بالعبودية في المخيال الشّعبي العربي، بينما اسم سارة بالسّيدة الحرّة، إضافة إلى اللون الافتراضي الأسمر لهاجر كونها من شمال افريقيا. كل هذا القتل والذبح والحرق والتدمير، لتوسيع اتفاقات أبراهام؟ التي تعني السّيطرة الكاملة لسلالة السّت سارة على سلالة الجارية المصرية هاجر، هذا ما تعنيه اتفاقات أبراهام. داوود ملك إسرائيل حسب التوراة، الذي كان يملك مئات النساء والسّريّات، استغل غياب أوريا الحثّي في جبهة القتال، وضاجع زوجته فحملت منه، فماذا فعل ملك إسرائيل؟ أرسل إلى قائد الجيش وطلب منه أن يعفي أوريا الحثّي من الخدمة، كي يعود إلى بيته ويضاجع زوجته بات شيبع فتختلط الأمور، ولا يفتضح أمر حملها من داوود! إلا أنّ أوريا كان يحبُّ الجيش، ومتعطّشاً لقتال العمونيين (أهل شرق الأردن)، وأصرّ على أن يبقى في الجبهة على مشارف ربّات عمّون القديمة. حينئذ طلب داوود من القائد شاؤول أن يدفع أوريا إلى موقع متقدّم في الجبهة للتخلص منه، هكذا قُتل أوريا الحثّي المُرتَزق على يد نشامى الأردن، وضمّ داوود بات شيبع إلى زوجاته، وأنجب منها سليمان الذي ورثه في الملك.
هذا ما جاء في التوراة، في العهد القديم، يا سيدة فالنتينا، مبروك عليكم. أما في القرآن الذي حرقتيه وتحرّضين ضده وضد أهله، فإن داوود نبيٌ من أنبياء الله، ولم تُذكر هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها، حسب التوراة بحق أوريا الحثّي، لأنّ الأنبياء منزّهون عن مثل هذه الأعمال الخسيسة. ذُكر داوود في القرآن الكريم ست عشرة مرّة، وفيها كلّها تكريم وتعظيم لشأنه. يعني يا حضرة العنصرية الصغيرة، وحسب التوراة فإن داوود مُجرم بلا أخلاق، وسليمان الحكيم ابن زانية والعياذ بالله! كذلك فإن التلمود يعتبر المسيح عليه السّلام ابن النجار النصراوي يوسف، ولا تؤمن اليهودية بالمسيح أصلا وفصلا، والعياذ بالله، بينما القرآن الكريم، يذكرهم أجمعين كزاهدين ونبيين وحكماء وشرفاء وأنقياء ومنزّهين. أما حقدك هذا، وإحراقك القرآن الكريم، فهو تجارة رخيصة للوصول إلى الهدف، فالغاية عند التافهين من أمثالك تبرّر الوسيلة.
