هجوم الدوحة: ما الذي قاله نتنياهو؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 11.09.2025
بهجومه الصاروخي على وفد حماس المفاوض في الدوحة، أجرى نتنياهو عملية تحديث لعدوانيته، التي تتّسع دائرتها يوما بعد يوم، وتتضح أهدافها ووسائلها أكثر فأكثر. بهذا يقول نتنياهو إنّ كلّ الحديث الذي سبق وجرى حول صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار، لم يكن سوى كسبٍ للوقت، له وللمتواطئين معه في هدف تدمير حماس.
لم تكن هناك أي مفاوضات حقيقية بهدف الوصول إلى صفقة بالفعل، المفاوضات كانت غطاء أمام العالم والرأي العام في الداخل والخارج، ومن ثم العمل في كلّ جولة على إفشالها، وتحميل المسؤولية لحركة حماس في عدم التوصل لاتفاق، لزيادة الضغط عليها من الداخل والخارج، يرافق هذا تغوّل في جرائم الإبادة.
هذا إعلان للعرب وللعالم وللفلسطينيين وللداخل الإسرائيلي، أن الاحتلال يرفض أي صفقة، حتى لو أعلنت حماس استسلامها، فالهدف الأساسي أكبر من هذا، الهدف هو طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم. الهدف الذي وضعه منذ بداية الحرب هو نفسه ولم يتغيّر. الخطط جاهزة في الأدراج، كلُّ واحدة منها تنتظر الذريعة للتّنفيذ. أي عمل يتعارض مع هدف إسرائيل الكبرى يعتبر معادياً، مهما تحدّث عن السلام والاستقرار وحسن الجوار والخير، فالهدف الأكبر هو إسرائيل الكبرى، مع استقرار أو من دونه، مع حسن جوار أو من دونه، فالأمر سيّان. الخطط جاهزة تتقدّم أو تتأخّر، قد تؤجّل ولكنّها لا تلغى. جاء السّابع من أكتوبر 2023 فرصة ذهبية لتحقيق حلم صهيوني كبير. غزّة لم يبتلعها البحر كما حلمت غولدا مئير، ولكن الفرصة أزفت لتدميرها وتهجير سكانها تحت حِمَمِ الإبادة.
هذا الهجوم جاء كي يمنع أي إمكانية لعقد صفقة ووقف لإطلاق نار مهما تنازلت حماس، التي لم يعد لديها شيء تتنازل عنه، سوى أنها ترفض تسليم رؤوس كوادرها للذّبح. «هذه رسالة لكلِّ دول الشّرق الأوسط» قال أمير أوحانا رئيس الكنيست، وكان عليه أن يضيف دولا أوروبية وحتى أبعد منها. هذا يحملُ تهديدا لمصر والأردن ولبنان وسوريا، وخصوصا لمصر والأردن اللتين ترفضان، حسبما تعلنانه رسمياً المشاركة في جريمة حرب تهجير الفلسطينيين، وهو ما طالبهم نتنياهو وترامب به بإلحاح. هذا تحذير بأنّ العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لا تشفع لأحد، ولا السلام «الثابت والمستقر»، بل إنّ نتنياهو يهدّد مصر بإعادة النظر في صفقة الغاز التي أبرمت في أغسطس 2025 امتداداً للصفقة الموقعة منذ 2019، بتزويد مصر بـ130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، وبهذا يقول للمصريين أنتم الذين تحتاجون إسرائيل وهي لا تحتاجكم، وأتى تصريحه هذا بحجة عدم التزام مصر باتفاقات كامب ديفيد في سيناء، بعد إعلان مصر رفضها للتهجير.
نتنياهو يرى من لا يطيعونه في مخططاته أعداءً، وقد يتعرضون لمثل ما تعرّضت له الدوحة، التي حاولت الوساطة لإنجاز صفقة ووقف إطلاق نار.
هذه رسالة بأنّ ترامب لن يفيدكم، ولا علاقاتكم «المتوازنة» بين إسرائيل والفلسطينيين وبقية دول المنطقة. لا حلفاء ولا أصدقاء، لا اعتراف إلا بالرّضوخ والتعاون لأجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، وأيّ تلكّؤ في الدعم يضعكم تحت طائلة العقوبات المباشرة وغير المباشرة. لا حُرمة لأي منطقة أو حدود أو لأحد، لا لـ»محور الشّر» ولا «محور الخير»، لا للشّيعة ولا للأقليات ولا للأكثريات. الصاروخ جاهز لكلِّ من يرفع رأسه في المنطقة، والخلاف المصطنع مع هذا الوزير، أو ذاك على التوقيت جاهز، وكلمة ترامب بأنّه «لم يعلم بالهجوم من قبل» أيضا جاهزة. هذا الهجوم يدحض نظرية القدرة على التأثير، من خلال العلاقة مع دولة الاحتلال. بهذا يفصح ترامب عن نظرته العنصرية الاستعلائية إلى العرب، من غير تمييز بين موالٍ لأمريكا، ومعارض أو جالس على الجدار. إسرائيل فوق الجميع، حتى فوق الأمريكيين أنفسهم، لأنّ مفاتيح القرارات حول كل ما يتعلّق في الصراع الصهيوني العربي، هو بيد أنصار وداعمي إسرائيل، من مختلف الخلفيات.
*الهجوم جاء كي يمنع أي إمكانية لعقد صفقة ووقف لإطلاق نارمهما تنازلت حماس، التي لم يعد لديها شيء تتنازل عنه، سوى رفض تسليم رؤوس كوادرها للذّبح
العدوان يتّسع من قطاع غزة، إلى الضفة الغربية إلى سوريا ولبنان واليَمن، وسيشمل غيرها، ضمن برنامج تحقيق هدف إسرائيل الكبرى، ولن يتجاوز كذلك العرب في داخل إسرائيل، فهناك عمليات تهجير تجري في النّقب بصمت، حيث تُهدم قرى كاملة، من دون أن تجد لها حيّزاً في الإعلام.
صحيح أنّ السابع من أكتوبر 2023 منح الذريعة لنتنياهو، ولكن التخطيط كان جاهزاً وينتظر التنفيذ، فالحديث في إسرائيل كان كثيراً عن حرب واسعة على قطاع غزّة، وقد سبقت هذه الحرب حملات عسكرية على قطاع غزّة إلى أن واتت الفرصة لحرب شاملة. هكذا كان عام 1982، كانت الخطة جاهزة لطرد الفلسطينيين من لبنان، واتُّخذ إطلاق النار على سفير إسرائيل في لندن ذريعة، فاجتاحوا جنوب لبنان وحاصروا بيروت وطردوا المقاتلين الفلسطينيين منها، وأقيمت معسكرات اعتقال، وكانت هذه سببا لنشوء جبهة المقاومة اللبنانية (جمّول) لتحرير جنوب لبنان، والمقاومة الإسلامية الشّيعية، وما زالت تفاعلاتها مستمرة إلى يومنا. الهدف المعلن الآن هو نزع سلاح حزب الله، ولكن هنالك أطماعا ونوايا للمكوث في جنوب لبنان وفي جنوب سوريا، مخططات تنتظر التنفيذ، أو أنها قيد التنفيذ.
الموقف المصري محشور في الزاوية، علاقات السّلام والتعاون ضد «الإرهاب» لم تتأثّر، ولن تتأثر مع استمرار إبادة الفلسطينيين وهدم غزّة عن بكرة أبيها، ولكنّها قد تتأثر إذا ما تدفّق مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى داخل الأراضي المصرية للنجاة بأرواحهم، وهو ما قد يحرج القيادة المصرية. هذا ضوءٌ تحذير لمحمود عباس وسلطة رام الله بأنّ التخلّص منها بات قريباً جدّاَ، وربما أقرب مما يبدو. فكل نشاط دبلوماسي يقوم به عباس يعتبره نتنياهو عملا عدائياً للسلام، بل أخطر من حماس. وهي فرصة لأنّ ترامب لا يمانع بضم الضفة الغربية وبإنهاء دور السلطة في رام الله.
المرحلة المقبلة ستكون تسليم سلاح السّلطة في رام الله لقوات الاحتلال أولا، ثم حجب أموال الضرائب عنها، وحصارها اقتصادياً وسحب جميع الصلاحيات منها، والتسبّب بشللها التام ما يؤدي إلى حلّها.
وفي الوقت ذاته، هنالك محاولات لتأسيس بدائل إدارية من العشائر لتنظيم حياة الناس وعلاقتهم بالاحتلال. من الجائز جداً أن عملية مقاومة واحدة موجعة، تُستغل لتوسيع وتعميق عمليات التهجير في الضفة الغربية.
حتى أسطول الصمود الأممي يتعرّض لهجمات بطائرات الدورون، وهو عمل إرهابي لا يمكن تخيّل دولة أخرى تمارسه سوى دولة ليس لديها أي اعتبار للقوانين الدّولية، وهي تقصد بهذا، القول إنّها فوق القانون، وإلا كيف يمكن لها أن تحقق حلم إسرائيل الكبرى، دون دوس القوانين الدّولية! عمليّاً يقول نتنياهو إنّه يضع قوانين دولية جديدة، وهي أن القوانين لا تنطبق على إسرائيل مثلما أنها لا تنطبق على أمريكا.
هذا تحذير للأردن كذلك بأنّه غير محصّن، حتى إن أظهر حُسنَ سلوك خلال حرب إيران وإسرائيل، وما زال يظهر سلوكاً حسناً تجاه حرب الإبادة في غزة. قد يدير ترامب ظهره إذا ما أصرّ على رفض الدور المخطط للأردن في استيعاب الفلسطينيين. إنه إعلان بأنه لا يوجد حلفاء لأمريكا في المنطقة، ولا حتى في العالم سوى إسرائيل وأمنها. ترامب يدعي كذباً أنّه لم يكن على علم بالضربة، وهذا مستحيل، فوجود قاعدة أمريكية في قطر يحتّم على نتنياهو إخبار ترامب بنيّته. وترامب من جانبه يكتفي بأن يزعم بأنّ هذا لن يتكرّر، من دون أن يدين هذا الإرهاب لأنه متفق معه في الأساس. ترامب يدّعي عدم سروره للضربة، الصحيح أن عدم سروره هو أنّ الضربة لم تحقّق هدفها باغتيال الوفد المفاوض كله.
العالم يتحرّك بمئات الآلاف في مختلف دول العالم ضد الإبادة، ولكن هذا لا يكفي طالما أنّ العرب أصحاب القضية قابعون في وضعهم البائس! أليس للعرب حيلةٌ ولا قوةٌ للجم هذه العربدة وهذا الإرهاب المسلط على أعناقهم؟
بل لديهم الكثير من القوّة، ولديهم الكثير من الحلفاء الأقوياء المحتملين، والعالم في كل مكانٍ يتحرّك رفضاً لإرهاب الدولة، ولكن تنقص العرب قيادة تاريخية تنقلهم مما هم فيه إلى المكانة التي يستحقّونها بين الأمم.
www.deyaralnagab.com
|