زواج المطلقة في مصر خطوة لا تخلو من الانتقام!!
بقلم : أحمد حافظ ... 10.07.2025
القاهرة– أظهر التفاعل الأسري في مصر مع مسلسل “فات الميعاد” الذي يناقش قضايا عائلية، أن زواج المطلقة يظل موصوما ما لم تتغير نظرة المجتمع إلى حق المرأة في تكوين أسرة جديدة بعد الانفصال عن زوجها الأول، ولن يتحقق ذلك دون مرونة من الرجل في الابتعاد عن شريكته الأولى وترك حرية الزواج لها مرة ثانية.
وشهدت أحداث المسلسل إقدام البطلة على الارتباط من رئيسها في العمل بعد طلاقها بفترة طويلة، لكن الخبر لم يمر على طليقها بسهولة ليقرر الانتقام منها وخطف ابنتها ليلة زفافها، ويستغل ذلك كذريعة لاتهامها بأنها مهملة تفرغت لحياتها فقط.
وتفاعل الكثير من المصريين مع الأحداث، وسط نقاشات حول حق المطلقة في الزواج الثاني، وبداية حياة جديدة مع شريك آخر، بعيدا عن زوجها السابق، بقطع النظر عن أسباب الخلاف الذي وقع بينهما وقاد إلى الانفصال، لكن استمرار عدم زواج المرأة بعد الطلاق ظلم تأسس على عادات وتقاليد بأن الزواج الثاني للرجل فقط.
**المجتمع المصري يكيل بمكيالين في تعامله مع المطلقة، فهو يشجع الرجل على الزواج مجددا ويمنع المرأة من هذا الحق
وعادة ما يلجأ الرجل إلى إلحاق الأذى بالابن أو الابنة لو كان أحدهما بحوزة طليقته إذا فكرت في الإقدام على الارتباط مرة ثانية، عبر علاقة عاطفية مع رجل آخر أو زواج فعلي، بحيث يثبت أنها غير أمينة على تربية أولادها ويستغل ذلك لرفع دعوى قضائية ضدها لإسقاط الحضانة عنها وانتقالها إليه (الأب)، وهي أكثر أزمة تثير رهبة المطلقات من التفكير في الزواج مجددا.
وإذا كان الرجل يتحرك للانتقام من شريكته الأولى إن فكرت في الزواج، بدافع الغيرة وحب التملك، فإن المشكلة الأكبر في المجتمع نفسه، فشريحة معتبرة في مصر لا تزال تعتقد أن زواج المطلقة من الأمور المعيبة، أو أنها ارتكبت فعلا يوحي بعدم الأصالة وعدم احترام العشرة، وإن أقدم الرجل نفسه على الزواج بعد الطلاق، فهذا ليس من حق المطلقة.
وتوجد بعض النساء في مصر قد لا تتجاوز أعمارهن 30 عاما ورحل أزواجهن أو انفصلن عنهم، ويرفضن الزواج الثاني خشية رد فعل الأسرة والأقارب والمحيطين والمجتمع بشكل عام، وتتوقف حياتهن عند تربية الأبناء وينزعن عنهن فكرة تكوين أسرة جديدة، خوفا من النظرة السلبية وعدم امتلاك الشجاعة على مواجهة ترهيب وابتزاز ومطاردات الشريك السابق.
ويوحي تعامل المجتمع المصري مع المرأة المطلقة بأنه يكيل بمكيالين، فهو يشجع الرجل على الزواج مجددا لاحتياجه الشديد إلى وجود زوجة جديدة في حياته توفر له متطلباته، ويحرم المرأة من هذا الحق بحجج واهية، مثل التفرغ لتربية الأبناء وعدم العيش في كنف رجل آخر، وإذا خالفت ذلك تُعامل كأنها ارتكبت جريمة أخلاقية.
وبمرور الوقت اتخذت شريحة من المصريين موقفا عدائيا من زواج الأم، مع أن تلك الخطوة لا تشكل ضررا اجتماعيا يسيء إليها، ورغم ذلك يرى كثيرون أن زواج المطلقة عيب، وعليها أن تشعر بالخجل من التفكير في الخطوة، دون اكتراث بأن شريكها السابق يمكن أن يكون قد تزوج من امرأة واثنتين وبدأ حياة جديدة وأنجب أبناء، وتظل نفس الخطوة بالنسبة إلى المطلقة مبررا للانتقام.
وتكمن إشكالية هذه النوعية من النساء في عدم قدرتهن على مواجهة المحيطين بهن، وتلجأ غالبيتهن إلى اختيار عدم الزواج مرة ثانية أو الدخول في مرحلة متقدمة من الرهبنة، خوفا من تكرار تجربة الفشل في الزواج أو مطاردتهن بعبارات ونظرات جارحة، أو حتى الخوف من إسقاط الحضانة عنهن، وتصبح خطوة الزواج الثاني مستبعدة أو تحدث في ظل ضغوط عائلية كبيرة.
وما يلفت الانتباه أن هناك شريحة من الرجال في مصر تفضل الزواج من امرأة مطلقة باعتبارها لن تتشدد في مطالبها وتبحث عن شخص يتقدم لها بعد الانفصال عن زوجها السابق، وهذه النوعية من الذكور تبحث عن سيدات من تلك الفئة بحجة خدمتهم أو تعويض الوحدة التي يعيشون فيها، خاصة إذا كان هؤلاء الرجال يعانون من تبعات رحيل الزوجة الأولى.
وجزء من مشكلة المطلقة، إذا تزوجت، أن قانون الأحوال الشخصية المعمول به في مصر لا يزال يتخذ موقفا مناهضا لزواج المطلقات، وإذا أقدمت أيّ منهن على الارتباط الرسمي تسقط الحضانة عنها لتذهب إلى والدتها في حال طعن طليقها في الزواج، بذريعة أن أولاده يعيشون مع رجل غريب في بيت واحد، لذلك تخشى الكثيرات من المطلقات تبعات الخطوة.
**ثمة رجال في مصر لا يُمانعون زواج المطلقة لكنهم يستخدمون تلك الحيلة للضغط عليها وإرغامها على التنازل عن كل المستحقات المالية
وكثيرا ما تلجأ المطلقة إلى الزواج العرفي، حال وجود أبناء، لأنها ترفض التخلي عنهم طواعية أو كرها، كي لا تمنح طليقها فرصة رفع دعوى قضائية ضدها لطلب إسقاط الحضانة عنها، أو أنها تخشى النظرات السلبية ووصمها بأنها تبحث عن المتعة وخانت العِشرة وذهبت إلى العيش مع رجل آخر، حتى أصبح الزواج السري ظاهرة في صفوف بعض المطلقات في مصر.
وعلى فترات متقاربة تطالب المنظمات الحقوقية المعنية بشؤون المرأة بحتمية إقرار تعديلات تشريعية تحمي المطلقة من انتقام زوجها السابق إذا فكرت في تكوين أسرة جديدة مع رجل آخر، بحيث يتم تغيير نظرة المجتمع تجاه هذا الحق بسياسة الأمر الواقع ووضع حد لاستمرار السيدات المطلقات على حالهن إذا فكرن في الزواج وترهيب كل من يحاول ابتزازهن بأولادهن.
وأكدت الباحثة المتخصصة في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة هالة منصور أن رهبنة المطلقات نتاج ظلم أسري ومجتمعي لن ينته إلا بوضع تشريع يعطي المطلقة الحق في الزواج وتكوين عائلة دون منغصات أو مطاردات أو ابتزاز بالحقوق والأبناء، لأن هناك أفكارا مغلوطة لن تتم خلخلتها بالوعي فقط، بل عبر قوانين تُكرس الاعتقاد الصائب وإن رفضه كثيرون.
وأضافت لـ”العرب” أن إقرار قانون يسمح للمطلقات بالزواج دون قيود مجحفة يخفض معدلات الزواج السري الذي يهدد حقوق المرأة، وما يفعله بعض الرجال من ابتزاز وترهيب جزء منه ناتج عن عدم وجود مظلة تشريعية تحتمي بها المطلقة، لأنها تخشى الوصمة والنظرة السلبية وإسقاط الحضانة عنها، وكل ذلك يحفز بعض الرجال على الانتقام من المطلقة بعد الزواج.
وثمة رجال في مصر لا يُمانعون زواج المطلقة لكنهم يستخدمون تلك الحيلة للضغط عليها وإرغامها على التنازل عن كل المستحقات المالية، بحيث يرفعون عن أنفسهم عبء النفقة والسكن بعد الطلاق، وإذا تزوجت سرا تظل تحتفظ بالنفقة من زوجها السابق، ولأولادها سكن يدفع طليقها قيمته بعيدا عن الزوج الجديد.
وأمام كل هذه التعقيدات والمطاردات استمرت معدلات زواج المطلقات المصريات متدنية للغاية، ويكفي أن دراسة صادرة عن جمعية تنمية المرأة المصرية (غير حكومية) توصلت إلى أن قرابة 90 في المئة من المطلقات يفضلن عدم الزواج مرة ثانية خشية نظرة المجتمع وخسارة الحضانة، ونسبة قليلة منهن تلجأ إلى الزواج السري لأن الرجل لن يستطيع إثباته
www.deyaralnagab.com
|