| بدّك بدّ يكسِّر عظامك!! بقلم : سهيل كيوان ... 29.10.2025   في معظم مناطق فلسطين، ممكن أن تسمع تعبيراً يقول «بدّك بَدّ يْكَسِّر عظامك»! وفي بعض القرى يقولون «بدّك بدّ وسيف بحدّ». هذا يكون ردّاً غاضباً على أحدهم إذا ما سأل «شو بدّك»!فما هو البدّ الذي يُكسِّر العظام! إنّه حجَرُ الرّحى في معصرة الزّيتون القديمة، وأخذ اسمه من فعله، فهو يبدّد حبّات الزّيتون ويهرسها فيجعلها بَدداً.
 سمعت في أحد الأفراح سيّدة تهاهي، والمهاهاة معروفة في تراث بلاد الشام، تقول:
 «أويها يا أبو محمد مين قدّو ومين نِدّو
 أويها يا بُرج عالي وريت البين ما هدّو
 أويها وادرُس عدوّك دَرْس الزّيت ع بدّو
 أويها يا رِزقك على الله ما رزقِك على عبدو».
 تردُّ عليها أخرى فتقول «أويها وحياة من خلق الزّتون يُعصر زيت/ أويها ولولا المحبّة ما جيت ولا غنّيت.
 يدخل الزيتون في حياة الفلسطينيين اليومية ليس كغذاء ودواء فقط، فنجده في تفاصيل كثيرة كمجاز في الحياة اليومية، في طلب النّسب والتّصاهر بين الأقارب يقولون «خلّينا نحط زيتاتنا في طحيناتنا»؟ وهذا يعني طلب النّسب بين أبناء الحمولة الواحدة.
 ومن يكثر من الكلام ويكرّره من غير خلاصة يقال له «يكفي زيت ورُبّ وربّ وزيت».
 وأما من يرفض الاعتراف بعيب فيه أو بأحد ما يخصّه، فيقال له «ما حدا بقول في بزيته عَكَر».
 و»بعض الناس مثل الزّيتون لا يحلو إلا بالرّص». أي أنّ الشّدائد تكشف معدنه الطّيب».
 رغم محبة الزّيتون فإنه عمله شاق، ويحتاج إلى جَلَدٍ،» زيته طيّب ولقاطه يْشيّب»، هذا في الوضع الطبيعي، فما بالك حيث صار قطافه تحت تهديدات المُستوطنين، الذين يمنعون الناس من الوصول إلى أراضيهم، أو أنّهم يقطعون ويجرّفون هذه الأشجار!
 حسب بيان «هيئة مقاومة الجدار» فإن المستوطنين اعتدوا أكثر من 260 مرّة على الفلاحين خلال موسم الزيتون الحالي في الضّفة الغربية. هنالك تقارير تفيد بأنّ المستوطنين اقتلعوا أو أحرقوا وأضرّوا بحوالي 14200 شجرة مثمرة، من بينها حوالي 10500 زيتونة خلال العام 2024 وحده.
 أما من لا يملك زيتوناً فعزاؤه أنّه لا يتعب، ولسان حاله يقول «قلّة الرّزق راحة».
 هنالك أنواع أشجار مثمرة كثيرة أخرى مثل اللوزيات والحمضيات، ولكنّها تبقى في نطاق الفاكهة أو الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، أما الزّيت والزيتون فلا غنى عنه، ومن لا يملك زيتوناً أو يملك القليل، يشتري مؤونته منه، وجاء في المثل «القمح والزّيت أسَدين في البيت». لأنهما يمنحان من يملكهما قوّة وحصانة تقيه من الجوع.
 يسعى المستوطنون إلى ضرب مصدر الحدّ الأدنى من الأمن الغذائي للفلسطيني في الضفة الغربية، ليبقى يتيماً ومقطوعاً من شَجرة، إضافة إلى جعل الوصول إلى أرضه مهمة مجازفة خطيرة، كي يزهد بها ويتخلّى عنها بسهولة، أو أن يهاجر ويترك هذا الهمَّ لغيره.
 في التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1956، وقعت مذبحة كفر قاسم، أكثر الذين أعدموا كانوا عائدين من جني موسم الزيتون، وبعضهم من أماكن عمل في المستوطنات، وعددهم تسعة وأربعون من مختلف عائلات البلدة، بينهم ثلاثة وعشرون شهيداً لم يبلغوا الثامنة عشرة، وخمسة أطفال دون العاشرة.
 أكثر العائلات في قرى مناطق الـ 48 لا تملك شيئاً من الزيتون، أو تملك القليل جداً، لأنّ أكثر الأرض تحوّلت إلى مناطق بناء وطُرق. إضافة إلى المصادرات منذ النكبة حتى اليوم.
 تحوّل موسم الزّيتون إلى علاقة رومانسية، ومناسبة للمّ شمل العائلات لمن ما زالوا يملكون شيئاً منه.
 سألت الذكاء الاصطناعي إذا كان مستعدّاً لأن يجيبني عن بعض المفردات الخاصّة في موسم الزّيتون! فأذن لي بذلك.
 سألته من هو البرّاك في موسم الزّيتون؟
 فقال إنه الرجل الذي يجمع الزيتون عن الشّجرة. هذا خطأ، فالبرّاك هو المشرف على عملية العَصر في المعصرة، وهو الذي يطرح البركة، وفي لبنان يطلق على مسؤول معصرة العنب لصناعة النبيذ، كذلك على المسؤول في مصنع الطحينة.
 حسناً «ما هي الجورعة؟ فذهب إلى أنّها الجَرعَة الأولى من موسم الزّيتون.
 هذا خطأ، فهي التّحلية التي يقدّمها الفلاح بعد انتهائه من عصر الزيتون لعمال المعصرة ولأهل بيته وضيوفه، وعادة تكون من الهريسة أو من الحمضيات.
 سألتُه ما هي قطعيّة الزّيتون؟ فقال إنّها حصة من ثمار الزّيتون متفق عليها بين صاحب الزيتون وعامل القطاف، ثم سأل بسذاجته الإلكترونية «هل تريد أن أشرح لك الفرق بين القطعيّة والطّبلية؟ لأ لأ بلاش وحياتك، ما دخل الطبليّة بالقطعيّة. الصحيح أنّ القطعيّة هي نسبة الزيت في الثّمار. القطعيّة الجيّدة تعني نسبة عالية من الزّيت في الثّمار، وهذا يتعلّق بعدة عوامل، أوّلاً صنف الزيتون، أشهرها السّوري، ثم مدى نُضج الثّمار، وهل حصلت على كميّة ملائمة من الماء أم أنّها بعلية تماماً؟ وهل تُركت الثّمار حتى هطول الأمطار عليها أم لا؟
 سألته ما هو «الرِّد»، هل تعرفه؟ فقال إنّها عودة الفلاحين بعد القطاف لجمع ما تبقى وراءهم من الثّمار العالقة على الشّجر؟ فقلت له كفى هبلاً! فردّ كمن تذكّر واستدرك قائلا… صحيح الرّد هو ما تبقى من زيت في الثّمار بعد هرسها! ذكّرني التشات جي بي تي ببعض من يعتقدون أنّهم يعرفون كل شيء، فإذا حاولت تصحيح معلوماتهم ردّوا بخطأ آخر! والصّحيح أن «الرِّدّ» هو حصة المعصرة من الزّيت وهي عادة عُشر الكمِّيّة. أكثر الناس صاروا يدفعون الرِّد نقداً، كي يحصلوا على الزّيت من غير نقصان، خصوصاً بعد تقسيم الميراث بين الأخوة والأحفاد، بالكاد يكفي أحدهم حاجة أسرته.
 نجد شجرة الزيتون في أغان كثيرة، منها ما هو تراثي ومنها المستحدث.
 أشهرها «على دلعونا وعلى دلعونا زيتون بلادي أحسن ما يكونا».
 في أوبريت جسر العودة لفيروز من كلمات وألحان الرّحابنة جاء فيه:
 تقفون كشجر الزّيتون
 كجذوع الزّمن تقيمون
 أما كاظم السّاهر فوظف شجرة الزيتون للغرام، فالعاشقة تسأل «يا شجرة الزيتون يمتى يجي الغالي/ شقد ناس يحبّون ما حد مثل حالي»
 أما الراحلة شحرورة الوادي، فكانت تحلم بتواضع برجل درويش يغدّيها خبزة وزيتون ويعشّيها بطاطا.
 وينصح وديع الصافي ابنه بأن يأخذ ليلى ابنة ضيعته «ليلى يا ابني إن جارت الأيام بتعيش ع الزيتون والجبنة».
 أما مروان خوري فقد عاد على ثيمة صباح ووديع نفسها فقال لها «من إيدك خِبْزِة وزيتون بتكفيني وحياتك».
 بعض البلدات التعاونيّة في داخل إسرائيل تزرع وتختصُّ في الزّيتون، وتنتج الكثير، وهنالك عمليات تهجين وتحسين للأصناف، وتسوقه على أنّه زيت البلاد المقدسة، ولكن تبقى العلاقة مع هذه الشّجرة تجاريّة، علاقة عامل في مكان عمله الذي قد يتركه في أي لحظة، وتتمحور حول الجدوى المادّية من غير علاقة عاطفية ووجدانية.
 يقول الزّجال الفلسطيني أحمد خليل:
 «يا شجرةِ الزّيتون لا تخافي
 إن إجا الشّتا وغِرقَت الوِديان
 بُكرا نَسْمة جَنْحْها دافي
 تِحْمِل لعندِك دفا من نيسان
 يا شجرة الزّيتون يا نبع صافي
 بمواسمك في وعد للجوعان
 وبيّي وَعدني إن موسمك كافي
 بدّو يجيب لي ب هالسّنة فستان»
 
 
 
 
 
 www.deyaralnagab.com
 
   |