logo
الأسير أحمد سعدات.. سيرة قائد في مواجهة الاحتلال!!
بقلم : محمود السعدي ... 11.10.2025

من اعتقاله المبكر وشبابه المليء بالملاحقات إلى قيادته للجبهة الشعبية الفلسطينية لتحرير فلسطين، جسّد الأسير القائد أحمد سعدات (72 عاماً)، الأمين العام للجبهة الشعبية الفلسطينية، قصة صمود ونضال مستمر، تظهر فيها إرادة الشعب الفلسطيني، فسنوات السجن الطويلة لم تكسر عزيمته، وأصبحت حياته رمزاً للنضال والكرامة والمقاومة في وجه الاحتلال.
يتصدر أحمد سعدات في لعب دور مركزي في ملف الأسرى الفلسطينيين، الذين تطالب حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بإطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتشمل قوائم أسماء الذين تطالب الحركة بالإفراج عنهم 250 أسيراً فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة، من بينهم النساء والأطفال، وذلك مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وفي إطار الصفقة، سيُفرَج عن رفات 15 من سكان غزة مقابل كل جثة أسير إسرائيلي.
التسريبات الأخيرة من المفاوضات الجارية في شرم الشيخ، تدلّ على تعثّر الإفراج عن قيادات فلسطينية بارزة في الأسر، تطالب حماس بتحريرها ضمن الصفقة، وفي مقدّمتها مروان البرغوثي وأحمد سعدات، فماذا نعرف عن الأخير الذي يرفض الاحتلال حتى اللحظة الإفراج عنه؟
الانضمام إلى الجبهة الشعبية
عام 1969، انضم سعدات إلى منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومنذ ذلك الحين بدأ يتدرج في الصفوف التنظيمية، حتى أصبح جزءاً من اللجنة المركزية في المؤتمر الرابع للجبهة. خلال هذه الفترة، أبدى سعدات قدرات قيادية واضحة، حيث تولى مسؤولية قيادة الجبهة في الضفة الغربية عام 1994، قبل أن يُعاد انتخابه عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي في المؤتمرين، الخامس والسادس.
في أغسطس/آب 2001، وبعد اغتيال أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية، اجتمعت اللجنة المركزية للجبهة في أكتوبر/تشرين الأول وانتخبته بالإجماع أميناً عاماً، ما عزز مكانته قائداً سياسياً ونضالياً بارزاً، في ظل ظروف صعبة مليئة بالاعتقالات والملاحقات المستمرة من الاحتلال.
اعتقالات وصمود بلا انكسار
مسيرة أحمد سعدات النضالية لم تكن خالية من التحديات الشخصية. فقد اعتقل للمرة الأولى عام 1969، ثم أعيد اعتقاله عدة مرات على مدى عقود، قضى خلالها سنوات طويلة في سجون الاحتلال، بما في ذلك اعتقالات إدارية (بلا تهمة)، ومنع من الزيارات.
فترات الاعتقال هذه لم تكسر إرادة سعدات، بل شكلت جزءاً من صموده وتجربته النضالية، حيث خاض عدة إضرابات عن الطعام رفضاً للعزل الإداري، واحتجاجاً على الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين، سواء من حركة حماس أو فتح.
اعتقال من سجون السلطة
في عام 2006، كان سعدات جزءاً من قضية شغلت الرأي العام الفلسطيني والدولي، حيث اقتحمت قوات إسرائيلية سجن أريحا في عملية أطلقت عليها اسم "عملية جلب البضائع"، واعتقلته ورفاقه الذين كانوا محتجزين هناك.
وكانت السلطة الفلسطينية قد اعتقلت أحمد سعدات في 15 يناير/كانون الثاني 2002، بتهمة تهريب الأسلحة، وأودعته سجن أريحا الذي كان يخضع للرقابة الأميركية والبريطانية، حيث احتجز مع المتهمين بقتل وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي. ورغم صدور قرار من المحكمة العليا بإطلاق سراحه، رفضت السلطة تنفيذه بحجة التهديدات الإسرائيلية باغتياله.
ورفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حينها تسليم سعدات ورفاقه لإسرائيل، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى حصار مقره في مارس/آذار 2002.
وبعد مفاوضات، اتفقت السلطة الفلسطينية وإسرائيل على نقل سعدات ورفاقه إلى سجن أريحا تحت حراسة قوات خاصة أميركية وبريطانية، لضمان عدم تعرضهم لأي أذى، لكن بعد استشهاد عرفات بنحو عام ونصف اقتحمت قوات الاحتلال السجن واعتقلت سعدات ورفاقه وعدداً من الأسرى.
في 25 ديسمبر/كانون الأول 2008، حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية على أحمد سعدات ورفاقه بالسجن لمدة 30 عاماً بتهمة المشاركة بقتل زئيفي.
خلال سنوات اعتقاله، خاض سعدات عدة إضرابات عن الطعام، تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين، بدءاً من عام 2009، مروراً بإضرابات طويلة في 2011 و2012، وصولاً إلى أغسطس/آب 2016 و2017، حيث دعم زملاءه في الحركة الوطنية الفلسطينية.
القائد والمسؤول السياسي
بجانب نضاله الشخصي، تميز سعدات بقيادة الجبهة الشعبية الفلسطينية بوعي استراتيجي، ولعب دوراً بارزاً في المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب عام 2006 عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن الجبهة الشعبية.
خلال المؤتمر العام السابع للجبهة الشعبية الذي انعقد أواخر سنة 2013، أعيد انتخابه بالإجماع أميناً عاماً للجبهة، وهو قابع في سجون الاحتلال، بالإضافة إلى عضويته في المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
حياة حافلة
ولد أحمد سعدات في 23 فبراير/شباط 1953 بمدينة البيرة شمال القدس المحتلة، لعائلة فلسطينية هُجّرت من قرية دير طريف بقضاء الرملة في عام 1948 إثر الاحتلال الإسرائيلي.
نشأ سعدات في بيئة عرفت الصعوبات والتحديات، ما شكّل وعيه السياسي المبكر، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بدءاً من مدرسة الأمعري، ثم مدرسة البيرة الجديدة، وصولاً إلى مدرسة الهاشمية الثانوية، حيث حصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي.
بعد ذلك، درس الرياضيات في معهد المعلمين بمدينة رام الله، وتخرج عام 1975، ليبدأ حياته العملية والتربوية، لكنه لم يبتعد عن العمل الوطني الفلسطيني، إذ انخرط منذ المرحلة الثانوية في صفوف العمل الطلابي ضمن الحركة الوطنية الفلسطينية، تأثراً بالهزيمة العربية في يونيو/حزيران 1967.
سعدات متزوج من عبلة سعدات، وله أربعة أبناء، وتربى في بيئة وطنية، واحتفظ بعلاقات عائلية ومجتمعية قوية رغم سنوات السجن الطويلة.
نشر سعدات عدداً من الدراسات والمقالات السياسية، وصدر له عام 2017 كتاب بعنوان "صدى القيد"، وهو بمثابة سجل لحياته ونضاله الشخصي والوطني، يروي فيه تفاصيل الاعتقال والمقاومة وقيادة الجبهة الشعبية، ليكون مرجعاً للأجيال القادمة عن الصمود والتضحية.
*المصدر : العربي الجديد


www.deyaralnagab.com