أحدث الأخبار
السبت 02 آب/أغسطس 2025
صوت البشرى لأهالي الأسرى!!
بقلم :  تسنيم حلبي * ... 02.08.2025

سألت صديقة: شو بنقدر نقدم أو نساعد؟
قالت لي: بدك تدوري ع مؤسسات وقصص شو بدك بطول السيرة ...
للحق أننا نعاني جداً من فكرة التثبيط لأي مبادرة فردية ونقلل من أهميتها رغم أنها قد تكون "الصرارة اللي بتسند الحجر" وقد لمست ذلك جلياً في الحرب الأخيرة حيث واجهت الأسيرات تصعيداً في إجراءات القمع وتضييقاً وسوء معاملة في السجون حيث توقفت المحاكم وزيارات المحامين وانقطعت عنهن الأخبار ولا مجال للاطمئنان بأي وسيلة كما المعتاد وفهمت كيف أن شخصاً واحداً قد يستطيع تغيير حال عشرات الأهالي بمجهوده الفردي.
أنقل لكم اليوم معاناة أهالي الأسيرات بصفتي واحدة منهم، كان الأهالي يتحسسون الأخبار وريح الاطمئنان عن أسيراتهن لا سيما أن أي خبر يبرّد نار الحسرة ولوعة الشوق في القلوب، ما أصعب أن يشعر المرء بالعجز والخذلان فينهزم أمام أحبته كونه غير قادر على تقديم أي عون لهم وهم في أمس الحاجة إليه!
بدأت القصة قبل حوالي شهر عندما جاءتني رسالة من أختي ووالدتي عبر أسيرة محررة مفادها: "تواصلي مع الأستاذ حسن عبادي وخليه يزورنا، هذا محامي بعرفوه كل الأسيرات خليه يوصلنا أخباركم ويعطيكم تفاصيل عنا، تبّعي منشوراته عالفيس بوك ".
خجلت كثيراً من نفسي كوني قد أغفلت تفصيلة كهذه وأنا التي كنت أظن أن خمسة شهور تكفي لأعرف كل ما يتعلق بالأسيرات، لم أتردد وقتها وبحثت عن اسم الأستاذ المحامي على" الفيس بوك" ووجدته وعرفت أنه هو لأنني وجدت ملفه الشخصي يعج بمنشورات عن الأسيرات وأخبارهن ومن الواضح اهتمامه وإيمانه العميق بقضيتهن. بعثت له رسالة عرفته فيها بنفسي وطلبت منه زيارة أمي وأختي وشرحت له ظروف اعتقالهما، وقد تفاجأت من سرعة الرد ومن الاهتمام بالأمر ومن التجاوب السريع، سألته عن تكلفة الزيارة وعن كل التفاصيل فأجابني:
"أنا مش تابع لحد ولا لأي مؤسسة هاي مبادرة شخصية فردية مني، علاقتي فقط، فقط مع رب العالمين وزوجتي وضميري".
أستاذ حسن عبادي يقوم بزيارة الأسيرات في الدامون بمبادرة فردية منه نابعة من إيمانه بأن حريتهن واجبة وبأنهن سيهزمن السجن يوماً، تستبشر محياهن وتنفرج أساريرهن عندما يعرفن أنه قادم لزيارة إحداهن لأن زيارته تعني أخباراً سارة وأماناً واطمئناناً للجميع.
الجميع يعمل والمهنية عالية لدى الكثير ولكن الإنسانية لا يعرفها إلا القلة، في الوقت الذي يمتنع فيه كثير من المحامين (الخاص أو الهيئة) -وهذه مصطلحات يدركها أهالي الأسرى جيداً-عن الرد على الهاتف أو إعطاء تفاصيل كافية للأهالي رغم كونه لا منة لهم ولا فضل عند فعلهم هذا كونه واجبهم وهم ملتزمون بتأدية عملهم الذي يتقاضون عنه الأجرة.
يتصل الأستاذ حسن ويبادر من نفسه بطمأنة الأهالي ويطلب منهم تفاصيل دقيقة لينقلها للأسيرات، والمفارقة بالأمر أنني في الوقت الذي لم أكن أعرف فيه الأستاذ حسن كان هو يعرف والدتي ويعرفني جيداً ويبحث عني لأنه استطاع أن يجد رقم هويتها ويحجز لها الزيارة، ولكنه كان يبحث عن رقم هوية أختي إسلام، ليحجز لها زيارة هي الأخرى. في الوقت الذي يتحايل فيه الأهالي على بعض المحامين ليخبروهم ببعض التفاصيل التي قد تفيد أسراهم وتقابل بالرفض أو بعدم الجدوى أعطى الأستاذ حسن الأهمية لكل تفصيلة من تفاصيل الأسيرات حيث أخبرتني إحداهن: "والله حكالي شو لون أواعي بناتي الصغار ووصفلي شعورهن بالعيد".
الأمر كله يتعلق بالإنسانية وبالحس الوطني وبشعور الانتماء لهذا الشعب المكلوم، ورغم أن الأستاذ حسن من مواطني حيفا وكان بإمكانه أن يدير ظهره لكل هذه القضايا لكن آثر أن يستخدم صلاحياته وموقعه وكونه لديه إذن بالسماح بالزيارة واستغل هذه المزايا لدعم الأسيرات وأهالهن كشكل من أشكال الصمود في وجه المحنة.
عادت الزيارات التي كانت قد توقفت فترة الحرب، وعاد الأستاذ حسن هو ومدوناته عن الأسيرات، وعاد صوت البشرى لدى أهالهن. "الحمدلله هسه بترجع الأخبار".
لم أحظَ بشرف اللقاء بالأستاذ حسن، ولا أعرفه معرفة شخصية حتى لا يظن البعض أن للمنشور مآرب أخرى. فقط ما أعرفه بأننا بحاجة للمزيد المزيد من أمثال الأستاذ حسن ومبادرته وبأنه قد أقام علينا الحجة كأفراد فلا يكفي أن نتذرع بتقصير مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية بدورها في قضية الأسرى، فكلنا قادرون؛ كل من مكانه وموقعه بأن يخدم هذه القضية السامية ولنتذكر جميعاً أن هؤلاء جميعاً حملوا على عاتقهم قضية الوطن وهم خط الدفاع الأخير عن حريتنا جميعاً والثمن وإن كان باهظاً إذ يهبون أعمارهم لكن القضية أكبر منا جميعاً وأكاد أجزم يقيناً بأنها تستحق.
تحياتي المحملة بعذاب الفراق للمحامي الإنسان حسن عبادي، بارك الله في يديه التي تحمل قلم الحق، وفي قلبه الذي ينبض بمسؤلية تجاه من نحب، وفي كلماته التي تحمل صرخة الألم عنا وعنهن...
يا رب... كم من الوجع يسكن في صدورنا! كم من الحزن يمزق أرواحنا!
هناك... خلف أسوار الظلم... تذوي وردة من ورود حياتنا... تنتظر الفرج وقد اعتصرها الشوق...
تحلم بالحرية وقد كبلتها القيود... تتنفس الأمل وقد أحاطها اليأس من كل جانب...
هناك... في تلك الزنازين الباردة... قلب ينبض بالحنين... عيون تذرف الدمع في صمت... روح تصارع الوحدة... وأحلام تتحطم على جدران الحبس...
كيف لنا أن نعيش وجزء من روحنا محبوس؟ كيف لنا أن نضحك وصوت بكائها يتردد في مسامعنا؟ كيف لنا أن نهنأ بالطعام والشراب وهي تتضور جوعاً للحرية؟
الليل يطول... والانتظار يقتل... والصبر ينفد... والدموع تجف... لكن الأمل لا يموت... والدعاء لا ينقطع...
اللهم عجل بفرجها وفرج كل مظلوم، اللهم اكسر قيودها واقصم ظهر من ظلمها، اللهم ردها إلينا سالمة معافاة منتصرة وكل من معها، يا قادر يا مقتدر، يا من إذا أردت شيئاً قلت له كن فيكون.
[*] أبنة الأسيرة دلال حلبي وأخت الأسيرة إسلام حلبي-شولي

1