أحدث الأخبار
الاثنين 11 آب/أغسطس 2025
السودانيون في أوغندا... لاجئون يحلمون بالطعام والدواء والأمن!!
بقلم : محمد عبد الباقي ... 11.08.2025

تبدو حياة اللاجئين السودانيين بمخيم كرياندونقو في أوغندا المجاورة غير آدمية، فالطعام قليل والدعم الإغاثي محدود والرعاية الطبية مكلفة فيما يتعرّضون لهجمات مسلّحة متكرّرة.
يعيش عشرات آلاف اللاجئين السودانيين في مخيم كرياندونقو شمالي أوغندا في ظلّ ظروف إنسانية بالغة التعقيد، تشمل غياب الأمن وانتشار الأمراض، وتدهور أوضاع أصحاب الأمراض المزمنة. ويتزامن كل ذلك مع نفاد المواد الغذائية بعد توقف السلال الغذائية التي كانت تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
يعود تاريخ إنشاء مخيم كرياندونقو إلى عام 1986، ويضم إلى جانب السودانيين لاجئين من دول عدة، من بينها كينيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى والكونغو ورواندا، ويفوق عدد سكانه حالياً 158 ألفاً، من بينهم نحو 95 ألف لاجئ سوداني تدفقوا نحو أوغندا بعد اندلاع الحرب في بلادهم في منتصف إبريل/نيسان 2023. وتخلق الأعداد الكبيرة صراعات ومنازعات على الموارد الغذائية الشحيحة، ويؤدي بعضها إلى إصابات بالغة بين اللاجئين، وأحياناً تسجيل وفيات. ومنذ وصول اللاجئين السودانيين إلى المخيم، جرت صراعات دامية بينهم وبين اللاجئين من دولة جنوب السودان، نتج عنها مقتل لاجئ سوداني في 10 يوليو/تموز الماضي، وأصيب نحو 84 لاجئاً في أحد الصدامات، والتي تتكرر باستمرار، وكان آخرها في 7 أغسطس/آب.
ويقول رئيس مكتب مجتمع اللاجئين السودانيين بمخيم كرياندونقو، حسين تيمان، لـ"العربي الجديد": "الأوضاع في المخيم بائسة، وقد فقد اللاجئون الشعور بالطمأنينة بعد تكرار الهجوم عليهم. في 10 يوليو الماضي، هجم أكثر من 80 مسلحاً بالسواطير والحراب على خيام اللاجئين السودانيين، وتسببوا في وقوع العديد من الإصابات، من بينهم 8 مصابين أجريت لهم عمليات جراحية، وما زالوا يرقدون في المستشفيات، أو يتلقون العلاج".
وتقول لاجئة سودانية من المخيم، طلبت عدم كشف هويتها، لـ"العربي الجديد": "هربنا من السودان بسبب العنف والحرب والانتهاكات، وتفاجأنا هنا بما يشبه ما يحدث في الحرب. نتحمل الجوع، ونأكل وجبة واحدة في اليوم، نحصل عليها من المطابخ الجماعية التي لا تكفي كل اللاجئين، لكننا لا نستطيع تحمل الرعب اليومي خوفاً من هجوم البلطجية على خيامنا، وقد تسببوا في إصابة كثير من اللاجئين سابقاً، وكل ذلك من أجل طردنا من المخيم
بدورها، تقول اللاجئة من إقليم كردفان مريم، التي وصلت إلى المخيم في إبريل الماضي، لـ"العربي الجديد": "النساء لا يخرجن من الخيام التي تؤويهن في المخيم إلا للضرورة، ويعدن بأسرع وقت، خاصة في المساء، وذلك خوفاً من التعرض للانتهاكات أو الخطف على أيدي المجموعات المسلحة التي أصبحت تبث الخوف بين سكان المخيم". وتضيف مريم، وهي أم لأربعة أطفال: "ليس لدينا من يحمينا، فزوجي قرر البقاء في السودان على أمل أن يجد عملاً يرسل إلينا من دخله، لكن أخباره انقطعت، ونعيش في رعب لا يتوقف، ونأكل وجبة واحدة يومياً نحصل عليها بصورة غير منتظمة من المطابخ الجماعية في المخيم".
وإلى جانب الانفلات الأمني في مخيم كرياندونقو، يعاني اللاجئون تفشيَ الملاريا، ونفادَ المواد الغذائية، ويواجه أصحاب الأمراض المزمنة تعقيدات في الحصول على الأدوية. ويقول حسين تيمان: "يعتمد اللاجئون في طعامهم بصورة أساسية على المطابخ الجماعية التي تشرف عليها غرف الطوارئ بالمخيم، ويمولها الخيرون. كانت مفوضية اللاجئين تقدم سلة مواد غذائية للأسر، لكنها استبدلتها بدعم نقدي قيمته حوالي 14 شلناً أوغندياً (نحو 3 دولارات) شهرياً لكل لاجئ، ولاحقاً أوقفت الدعم النقدي، ما وضع اللاجئين أمام ظروف صعبة، وبدأت تظهر حالات سوء التغذية، وانتشر الجوع بين الأسر، ولمعالجة الأمر لجأ قادة اللاجئين إلى إنشاء مطابخ جماعية يحصل منها اللاجئون على الغذاء". يضيف: "تقدم المطابخ الجماعية وجبة واحدة يومياً، لأن المواد الغذائية شحيحة، وتوفيرها عبر الخيرين يتم بصورة غير منتظمة. تزداد المعاناة يومياً في المخيم، والذي تزيد أعداد النساء والأطفال فيه عن أعداد الرجال، وهناك آلاف النساء مع أطفالهن من دون زوج أو معيل، وهناك أطفال ليس معهم أسر، وهناك أيضاً بعض أصحاب الاحتياجات الخاصة".
ويتابع تيمان: "عندما وصل اللاجئون السودانيون إلى المخيم في عام 2023، لم تُقدم لهم أية خدمات، ما جعلهم يقتسمون الموارد القليلة التي كانت متوفرة، خصوصاً المدارس والمراكز الصحية ومياه الشرب مع بقية اللاجئين، وقد يكون هذا هو سبب الصراع بينهم وبين اللاجئين من جنوب السودان. تتبع أوغندا في توطينها للاجئين طريقة منح كل لاجئ قطعة أرض مساحتها 50 متراً يستغلها في السكن والزراعة وتربية الحيوانات، لكن بعد وصول السودانيين بأعداد كبيرة، تقلصت مساحة الأرض إلى 25 متراً، ما أثار حفيظة اللاجئين من جنوب السودان، والذين ادعوا أن السلطات الأوغندية نزعت منهم الأراضي التي كانوا يستخدمونها في الزراعة، ومنحتها للاجئين السودانيين".
ويواجه اللاجئون مخاطر تفشي الملاريا وغيرها من الحميات في ظل النقص الحاد في الأدوية، مع اكتظاظ مستشفى المخيم بالمرضى. ويقول مسؤول الصحة بمكتب مجتمع اللاجئين السودانيين بكرياندونقو، سنوسي يوسف آدم، لـ"العربي الجديد": "تنتشر الملاريا وغيرها من الأمراض بين اللاجئين بسرعة كبيرة، وقد توفي خلال الشهر الماضي ثلاثة لاجئين نتيجة الملاريا. خلال الأسبوع الماضي، انتحر أحد اللاجئين، وأعتقد أنه فعل ذلك بسبب حالة اليأس التي تعرض لها في المخيم". يضيف سنوسي آدم: "إلى جانب تفشي الأمراض المميتة، يعيش اللاجئون في المخيم حالة صدمة من جراء تكرار الاعتداءات عليهم، وقتل لاجئ سوداني في يوليو الماضي، وأصيب أكثر من ثلاثين خلال الأيام العشرة الماضية، بعضهم لا يزالون في حاجة إلى الرعاية الطبية، من بينهم مصاب أزيل جزء من كبده ومرارته، وبعضهم أجريت لهم أكثر من عملية جراحية لأن المهاجمين يستخدمون السكاكين والسواطير والسيوف في الهجوم".
وفي ظل ندرة المواد الغذائية بالمخيم، يتعرض اللاجئون لحالات نهب في أوقات مختلفة من اليوم، وفي بعض الأوقات تنفذ مجموعات تحمل الأسلحة البيضاء هجمات دامية. تقول اللاجئة السودانية إيمان عبيد لـ"العربي الجديد": "النساء والأطفال وكبار السن هم الأشد معاناة في المخيم، وأصبح الكل يبحث عن الطعام، وعن الأمان، بعد توقف دعم المنظمات، ونفاد المدخرات. كأننا هربنا من الرعب والخوف إلى خوف ورعب أشد وطأة. يمكن أن يقتلك شخص بساطور أو سيف، ولا يُعرف لك قاتل، تماماً مثلما يحدث في السودان".
بدوره، يقول أحد معلمي المدرسة الابتدائية في المخيم، إن التلاميذ توقفوا عن الحضور إلى المدرسة خشية تعرضهم للأذى، ويضيف المعلم الذي طلب عدم كشف هويته لـ"العربي الجديد": "قبل أيام تم الاعتداء على معلم في خيمته، وخضع لعملية جراحية بعد نجاته من الموت".
ويؤكد حسين تيمان الحديث عن الاعتداءات، ويقول لـ"العربي الجديد": "اضطررنا إلى جمع النساء في مقار أكبر حتى لا يتعرضن للانتهاكات، وبسبب الانفلات الأمني توقف معظم التلاميذ عن الذهاب إلى المدارس. تعيش النساء الحوامل معاناة إضافية، وبعضهن يلدن في المخيم، ولا يكون لديهن القدرة على إرضاع أطفالهن، وقد طالبنا المنظمات الدولية العاملة في المخيم بمساعدتهن، لكنها لم تقدم أية خدمات لهن".
وعن صعوبة الحصول على الرعاية الطبية في المخيم، يقول سنوسي آدم لـ"العربي الجديد": "يعتمد كل اللاجئين بالمخيم والمجتمع المضيف من الأوغنديين على مستشفى واحد مكتظ دائماً بالمرضى، ويشكل حاجز اللغة صعوبة كبيرة في التعامل مع الأطباء الأوغنديين، مع عدم وجود مترجمين، بخاصة في مستشفيات الإحالة البعيدة من المعسكر. يواجه كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة والأطفال معاناة إضافية بسبب الهطل المستمر للأمطار، وارتفاع الرطوبة، وهم يعيشون في خيام بسيطة مصنوعة من البلاستيك ومواد محلية، وبعضها مزقتها العوامل المناخية الطبيعية، وحين أعادوا ترميمها، قام البلطجية بتمزيقها بالسيوف والسواطير".
وتستضيف أوغندا اللاجئين في مخيمات عشوائية يتعايشون فيها مع المجتمعات التي تستضيفهم، وتمنحهم حق الإقامة لمدة خمس سنوات، لذا فضل آلاف السودانيين اللجوء إليها، وبعد كل معركة جديدة في السودان يتوقع اللاجئون وصول لاجئين جدد.

*المصدر : العربي الجديد
1