
"نحن قريبون جداً من الهاوية"، بهذه العبارة وصفت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس الوضع الصحي الكارثي في قطاع غزة المحاصر، وحذّرت من أنّ المخاطر الصحية التي يواجهها الفلسطينيون في القطاع تتزايد وسط منع إدخال أيّ مساعدات أو مستلزمات طبية منذ أكثر من شهرَين من جرّاء الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال، وتأتي تصريحات هاريس في سياق المواقف التي تحذّر من تدمير المنظومة الصحية المنهارة أساساً في غزة، وسط الحرب الإسرائيلية المدمّرة المتواصلة منذ أكثر من عام ونصف عام.وبيّنت هاريس، في مقابلة أجرتها معها وكالة الأناضول نُشرت اليوم الأحد، أنّ الفلسطينيين في قطاع غزة "محرومون من كلّ شيء الآن"، وشرحت أنّهم يفتقرون إلى الغذاء والمياه النظيفة والمأوى، وكذلك إلى الوصول إلى الرعاية الصحية، وأشارت إلى أنّ "هؤلاء يخافون حتّى من الذهاب إلى المستشفيات، بسبب استهداف إسرائيل عدداً كبيراً منها".يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعمد، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى تدمير المنظومة الصحية فيه، وقد راحت قواته تقصف المستشفيات وتحاصرها وتقتحمها وتقتل أطباء وعاملين فيها، ونازحين لجأوا إليها، فيما تعتقل آخرين. في الإطار نفسه، يمنع الاحتلال إدخال إمدادات حيوية من قبيل الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود الضرورية لتشغيل المستشفيات ولإسناد المنظومة الصحية في القطاع الفلسطيني المنكوب.ولفتت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية إلى أنّ الأطباء والممرّضين يعانون من نقص في كلّ المستلزمات الضرورية لمساعدة الجرحى، مؤكدة أنّهم يفتقرون إلى أكياس الدم ووحدات الحقن الوريدي وأعواد القطن لتنظيف الجروح والمضادات الحيوية لحماية الناس من العدوى، وقالت هاريس إنّ الجرحى يصلون إلى المستشفيات بإصابات مختلفة، غير أنّها كلّها تنطوي على مخاطر عدوى بصورة كبيرة، وأضافت أنّ أهالي غزة يتعرّضون للقصف يومياً، ويُصابون مثلاً بكسور في العظام وجروح مفتوحة معرّضة بشدّة للعدوى.وعلى خلفيّة التهجير الكبير الذي تسبّبت فيه آلة الحرب الإسرائيلية، الذي أدّى إلى نزح أهل قطاع غزة بمعظمهم مرّات عدّة، قالت هاريس لوكالة الأناضول إنّ الفلسطينيين في القطاع يعيشون وسط ظروف صعبة جداً، مشيرةً إلى أنّهم يعانون من سوء تغذية ويعيشون في أماكن مكتظّة، الأمر الذي يسهّل انتشار الأمراض المعدية، وبيّنت أنّ كثيرين منهم يعانون من الإسهال ومن نقص في المياه النظيفة، ما يفاقم المخاطر الصحية في القطاع.وأكملت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية أنّ مستشفيات غزة تغصّ بالجرحى والمرضى، لكنّها غير قادرة على توفير الخدمات اللازمة، وشرحت هاريس أنّ في قطاع غزة اليوم 21 مستشفى وأربعة مستشفيات ميدانية، إلّا أنّ أياً منها لا يمتلك القدرة الكافية من الأسرّة لتلبية الاحتياجات، مضيفةً أنّ لهذا السبب تضطرّ المنشآت الطبية في الغالب إلى إنهاء عمليات استشفاء الجرحى والمرضى بسرعة، حتى قبل تعافيهم كلياً، لتتمكّن من استقبال غيرهم. كذلك، أفادت بأنّ الأطباء يضطرون إلى علاج الجرحى والمرضى في الممرّات عندما لا تتوفّر أسرّة، وهو أمر يؤدّي إلى زيادة في الوفيات.ورأت هاريس أنّ عدم السماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة يصعّب كثيراً ما يأتي به العاملون في القطاع الصحي، مشيرةً إلى أنّ لدى منظمة الصحة العالمية فريق عمل في غزة، فيما جّهزت مستودعَين بالمستلزمات الطبية في خلال وقف إطلاق النار. يُذكر أنّ هدنة هشّة كانت قد بدأت بقطاع غزة في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل أن تستأنف إسرائيل حربها على القطاع في 18 مارس/ آذار الماضي، علماً أنّ خروقات إسرائيلية عديدة تخلّلت تلك الهدنة.وأكدت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية، في مقابلتها مع وكالة الأناضول، أنّ "كلّ شيء نفد منّا بحقّ"، مضيفةً "لدينا كميات كبيرة من المواد، و16 شاحنة محمّلة (بمستلزمات حيوية) تنتظر عند حدود قطاع غزة (الخارجية)، لكنّه لا يُسمَح لنا بإدخالها"، وأكملت: "هذا يعني أنّ العاملين في القطاع الصحي محرومون من كلّ شيء"، محذّرةً "نحن قريبون جداً من الهاوية، ولهذا فإنّ الخطر كبير".في سياق متصل، وفي ما يشبه "محاولة للطمأنة"، قالت هاريس إنّ منظمة الصحة العالمية سوف تبقى في قطاع غزة مهما كانت الظروف، وأنّها تفعل أكثر بكثير من مجرّد إيصال المواد، وأوضحت أنّ الوكالة الصحية التابعة للأمم المتحدة تقدّم كذلك الدعم لأعمال رصد مستوى انتشار الأمراض المعدية في القطاع الفلسطيني، وتنظّم عمليات إجلاء الجرحى والمرضى منه.وتواصل إسرائيل، منذ الثاني من مارس الماضي، تشديد حصارها المطبق على قطاع غزة، مانعةً عن الفلسطينين العالقين فيه كلّ مساعدة إنسانية، بما في ذلك المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية والوقود، وكذلك كلّ الإمدادات الأخرى التي من شأنها إبقاء أهل قطاع غزة على قيد الحياة. وقد فاقم قرار إحكام إغلاق معابر كرم أبو سالم وبيت حانون (إيريز) وزيكيم أمام إدخال الإمدادات الحيوية الأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، علماً أنّهم يعتمدون كلياً على المساعدات الخارجية وسط حرب الإبادة الجماعية المستمرة، في حين كانت حكومة غزة قد أعلنت أخيراً أنّ القطاع دخل "المراحل الأولى للمجاعة".
**(الأناضول، العربي الجديد)
