أحدث الأخبار
الأحد 01 حزيران/يونيو 2025
خمس لبنانيات يفزن بختم "المختار" في بيروت!!
بقلم : نغم ربيع ... 30.05.2025

سجّلت العاصمة اللبنانية بيروت سابقة جديدة في الانتخابات البلدية والاختيارية التي شهدتها في 18 مايو/ أيار 2025، حيث حملت خمس نساء ختم "المختار" في دوائر انتخابيّة، كانت حتى الأمس القريب حكراً على الرجال.
وتُظهر أرقام وزارة الداخلية والبلديات في لبنان، التي نُشرت بعد فرز النتائج، أن الحضور الانتخابي للنساء في الانتخابات البلدية والاختيارية تضاعف مقارنة بالدورة الانتخابية لعام 2016، وأنّهن يشكّلن اليوم 13% من أصل 38 مركزاً اختياريّاً في بيروت، بعدما كنّ لا يتجاوزن 4% قبل تسع سنوات.
هذه الطفرة لم تأتِ من فراغ. بحسب اتفاقية "سلمة (سوا من أجل المساواة)"، التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع منظمة "فيفتي– فيفتي" وبدعم من حكومة كندا، فقد ارتفعت نسبة المرشّحات في العاصمة اللبنانية إلى 30%، وهي أعلى نسبة تُسجّل منذ اعتماد قانون المخاتير والمجالس الاختيارية في العام 1947. ومع ذلك، لا تزال الطريق إلى المنصب الاختياري مليئة بالمعوّقات الاجتماعية، كما تُظهر تجربتَا دلال سامي السبليني ورين عبد النور.
في أزقة عين المريسة (بيروت)، لا أحد يناديها باسمها الأول. "المختارة" هو اللقب الذي سبق فوزها في الانتخابات، ورافقها قبل أن تحمل الختم الرسمي. دلال سامي السبليني، ابنة المختار السابق ورئيس نقابة مخاتير بيروت لسنوات، لم تهبط على العمل الاختياري من فراغ، بل تربّت على تفاصيله اليومية منذ طفولتها، حتى صار جزءاً من تكوينها المهني والعاطفي والاجتماعي.
قبل أن تدخل صناديق الاقتراع، دخلت دلال مكتب والدها بدوامٍ كامل على مدى ثماني سنوات. وبينما كانت تدرّس اللغة العربية وتتابع تخصّصها في علم النفس التربوي، كانت تكتسب عمليّاً خبرة ميدانية في المكتب الاختياري، حيث تعلّمت كل تفاصيل المهنة؛ من توقيع الإفادات وتسيير المعاملات، إلى الإصغاء لمشاكل الجيران والسعي لحلّها، ولو خارج النص القانوني. تقول دلال لـ"العربي الجديد": "والدي علّمني أنّ القانون لا يُدوّن كل واجبات المختار. هناك أدوار تربّينا عليها مثل دعم العائلات وقت الأعياد وحثّ أهالي الحيّ على مساعدة بعضهم بعضاً. فالمختار لا يقتصر دوره على توقيع ورقة ما، إنّما هو الملجأ بحد ذاته".
هذا الوعي بالمسؤولية متعددة الأبعاد، غير المدرجة في قانون المخاتير لعام 1947، هو ما جعلها ترى الترشّح امتداداً طبيعيّاً لمسارٍ بدأت خطواته منذ الصغر. وبفضل تشجيع والدها ووالدتها وإخوتها، فضلاً عن دعم الأهالي، قرّرت خوض التجربة الانتخابية، لتُثبت كما تقول أنّ "الشغف والعمل الدؤوب قادران على تحمّل هذا العبء، مهما كانت التحديات". وجود والدها في خلفية المشهد لم يكن مجرد دعمٍ معنوي، بل شكّل رصيداً اجتماعيّاً مهمّاً. فقد عُرف المختار السابق بعمله الاجتماعي الواسع في بيروت، ونجح في بناء شبكة علاقات متينة، استثمرتها دلال لتعزيز حضورها مختارةً مستقبليةً. لكنها لم تركن إلى هذا الرصيد فقط. تؤكّد أن وجودها اليومي في المكتب وتلبيتها حاجات الناس بأخلاق ومسؤولية كانا عاملين حاسمين في فوزها. وتضيف بفخرٍ: "منذ زمنٍ بعيدٍ، وأنا معروفة بالمختارة. النساء والرجال صاروا ينادونني بالمختارة حتى قبل الترشّح، هكذا توطّدت العلاقة بيننا، ولم تكن مجرّد علاقة انتخابية".
وعن التحديات، تؤكد دلال أن الطريق لم تكن وعرة، وتتحدث عن ترحيب الأهالي بترشّحها باعتبارها واحدة منهم. هذا القبول، كما ترى، يعود إلى تربيتها في بيت ينظر إلى العمل الاختياري باعتباره واجباً إنسانياً لا وظيفة إدارية. "المختار ليس حلقة ضمن جهاز الدولة فحسب، إنما عنصر تواصل مجتمعي، قادر على بلسمة أوجاع الناس، أو على الأقل الاستماع إليهم"، تردف مبتسمةً: "أفرح كثيراً عندما يناديني أحدهم: الله معِك يا مختارة".
أما في منطقة الرميل (بيروت) حيث يُنتخب اثنا عشر مختاراً، فتبرز رين عبد النور، المرأة الوحيدة التي نجحت في كسر احتكار الرجال هذا المنصب. فازَت لأول مرة عام 2010 بفضل دعم العائلات وتشجيعها، وأُعيد انتخابها في العام 2016، وعادت هذا العام لترشّح نفسها بدافع المحبة العميقة لأهل منطقتها وإيمانها بدورها في خدمتهم. تقول بثقة: "أحب المَخترة (العمل الاختياري) كثيراً وأعشق خدمة منطقتي وأهلها، وهذا ما دفعني للترشح ثلاث دورات".
لكن هذا المسار لم يكن سهلاً، فمنذ بداياتها، اصطدمت رين، كما تقول لـ"العربي الجديد"، بما تصفه بـ"المجتمع الذكوري" الذي لم يتقبّل بسهولة فكرة وجود امرأة في موقع مختار. واجهت "محاربات شرسة"، وتعرّضت، بحسب تعبيرها، لـ"اضطهاد صريح" فقط لأنّها امرأة.
وتأسف لـ"عدم تغيّر الظروف هذه السنة، إذ إن العقليات السائدة لا تزال تُقيّد فرص النساء، وتضع أمامهنّ حواجز إضافية تَحول دون وصولهنّ إلى مواقع القرار". ومع ذلك، لم تستسلم رين، بل استمرّت في خوض التجربة مدفوعةً بالمحبة المتبادلة مع الناس، وبإيمانها بأنّ دور المرأة في هذا المنصب "مهمّ جدّاً"، خصوصاً في مجتمعٍ يحتاج لمَن يُصغي ويفهم ويحتضن، لا لمجرّد من يُوقّع على المعاملات. كما أن العديد من الأهالي، لا سيّما النساء، يجدن راحة أكبر في الحديث مع "مختارة" تُصغي إليهنّ وتفهم قضاياهنّ.
رغم كل ذلك، تتجنّب عبد النور الذهاب بنفسها إلى الدوائر الرسمية، "ليس تقصيراً، إنما بسبب الذهنية الذكورية التي تعقّد حضور المرأة في مثل هذه المؤسسات"، وفق قولها. لهذا، تعتمد على شخص تثق به لإنجاز المعاملات الإدارية، لكنها حاضرة في الميدان، تتابع شؤون الناس وتبني معهم علاقة مباشرة. وتؤكد أن "محبة الناس هي التي تمنح هذا المنصب معناه الحقيقي".
وبين قصص النجاح ومحاولات كسر الصور النمطية، يبرز هذا التحوّل مؤشراً على تغيّر بطيء، لكنه ملموس، في نظرة المجتمع إلى أدوار النساء في الأحياء والبلدات وفي مختلف المؤسسات والقطاعات. ورغم العوائق، تؤكد التجارب أن الكفاءة والالتزام هما المعيار الحقيقي، وأن المشاركة النسائية في الشأن العام تفتح المجال أمام نمط جديد من التواصل والخدمة، قد يكون أقرب إلى الناس وأكثر فهماً لتفاصيلهم اليومية.

*المصدر : العربي الجديد
1