أحدث الأخبار
الثلاثاء 17 حزيران/يونيو 2025
واشنطن والتصعيد الإيراني الإسرائيلي: دعم ضمني أم تحكم في وتيرة الحرب؟!
بقلم : حسام بوزكارن ... 17.06.2025

***الانفجار الإيراني الإسرائيلي: واشنطن كفاعل غير ظاهر
منذ اندلاع التصعيد العسكري الحاد بين إسرائيل وإيران في منتصف شهر يونيو، برزت الولايات المتحدة كطرف رئيسي في المعادلة رغم غيابها الميداني المباشر. فالولايات المتحدة، وإن لم تشارك فعليا في الضربات، توجد في عمق مشهد الصراع من خلال موقعها كضامن أمني لإسرائيل وكقوة عسكرية موزعة في الخليج والشرق الأوسط.
هذا الوجود يجعل أي تصعيد كبير خاضعا لمنطق أمريكي مزدوج: أولا الحفاظ على الهيمنة الإقليمية، وثانيا تفادي الانزلاق إلى مواجهة لا تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأمد، خصوصا في ظل التركيز الحالي على التنافس العالمي مع الصين وروسيا.
استراتيجية "التواطؤ الصامت": التوازن بين الضغط والاحتواء
السياسة الأمريكية تجاه إيران لم تتغير جوهريا منذ سنوات، لكنها شهدت في الفترة الأخيرة تطورا في أسلوب التنفيذ. بدلا من المبادرات الصريحة أو المواجهات المفتوحة، باتت واشنطن تعتمد استراتيجية "التواطؤ الصامت"، والتي تتيح لها دعم إسرائيل ضمنيا، دون تحمل كلفة الانخراط المباشر.
هذه المقاربة توفر مرونة سياسية للإدارة الأمريكية: فهي ترضي الحلفاء الإسرائيليين، وتبقي على خطوط التواصل مع القوى الإقليمية الأخرى، وتمنح واشنطن هامشا دبلوماسيا للتراجع أو التصعيد عند الضرورة، بما يتيح لها التحكم في وتيرة التصعيد بدلا من كبحه بالكامل.
تموضع أمريكي محسوب: ما بين الردع واللاتدخل
الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الخليج، لا سيما في القواعد الجوية والبحرية الاستراتيجية، يعكس مقاربة أمريكية تقوم على الردع الوقائي. نشر منظومات دفاعية متقدمة وتحريك مجموعات بحرية لا يعني الاستعداد للحرب، بل يهدف إلى ردع إيران عن توسيع دائرة الاستهداف، خاصة إذا قررت مهاجمة مصالح أمريكية أو حلفاء خليجيين.
هذا التموضع يمنح واشنطن قدرة على السيطرة الميدانية دون تدخل فعلي، ويجعل من تدخلها خيارا مشروطا، لا أولوية قائمة. ومع ذلك، فإن هذا الحضور لا يخلو من المخاطر، إذ إن أي خطأ إيراني أو سوء تقدير إسرائيلي قد يدفع واشنطن للتدخل بما يتجاوز حساباتها الحالية.
ضبط الإيقاع السياسي: إدارة الصراع لا حله
الولايات المتحدة لا تسعى اليوم إلى حل شامل للنزاع الإيراني الإسرائيلي، بل إلى إدارته ضمن حدود السيطرة. وهذا يعكس تحولا في فلسفة التعاطي الأمريكي مع الأزمات الإقليمية، حيث لم تعد واشنطن تطرح نفسها كوسيط أو ضامن للاستقرار، بقدر ما تسعى إلى ضمان عدم تهديد مصالحها المباشرة.
من هذا المنظور، فإن إبقاء النزاع في مستوى منخفض إلى متوسط الشدة، يخدم عدة أهداف أمريكية: إنهاك إيران بشكل غير مباشر، اختبار قدرات إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني، وتعزيز الحضور الأمريكي في الإقليم بوصفه ضرورة أمنية وليس خيارا استراتيجيا.
مستقبل الدور الأمريكي: إدارة ما بعد الهيمنة
السلوك الأمريكي في الأزمة الراهنة يشي بتحول أعمق: واشنطن لم تعد تتصرف باعتبارها القوة المهيمنة على النظام الإقليمي، بل كقوة تسعى لإعادة تعريف دورها ضمن توازنات جديدة. فالتحكم في وتيرة الحرب بدلا من قيادتها، والدعم غير المعلن بدل التدخل المباشر، كلها مؤشرات على انتقال الدور الأمريكي من الفاعل المتصدر إلى المايسترو الخلفي.
ومع تصاعد تعددية الأقطاب، ووجود لاعبين جدد مثل الصين وروسيا في الملف الإيراني، يبدو أن واشنطن تدرك أن الحفاظ على نفوذها لا يتطلب الهيمنة المباشرة، بل القدرة على توجيه الأحداث من وراء الستار، متى شاءت، وكيفما شاءت.

1