
أعلنت دائرة شؤون اللاجئين والمكتب التنفيذي للجان الشعبية للاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية موقفهما الثابت والرافض لأي محاولات إسرائيلية لفرض اشتراطات على عودة النازحين إلى مخيمات شمال الضفة الغربية، معتبرين أن ذلك يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية.وكشفت مصادر مقربة من اللجان الشعبية للمخيمات أن مسؤولًا أميركيًا وسفيرًا أوروبيًا أبلغا السلطة الفلسطينية بثلاثة شروط إسرائيلية للانسحاب من مخيمات شمال الضفة الغربية.وتتمثل هذه الشروط الثلاثة في: منع أي نشاط أو عمل لوكالة غزة وتشغيل اللاجئين «الأونروا» داخل المخيمات، ومنع أي نشاط سياسي داخلها، وفحص النازحين عند عودتهم ورفض دخول أي ناشط سياسي إليها، بالإضافة إلى إنشاء مراكز للشرطة الفلسطينية داخل المخيمات.وبحسب مصدر صحافي فلسطيني، فإن الجهات الفلسطينية أبدت موافقة على الشرط الأخير المتعلق بإنشاء مراكز شرطة فلسطينية. وأفادت بأن الإدارة الأميركية أبدت موافقة على الشروط الإسرائيلية المطروحة، فيما قال سفير أوروبي إن الاتحاد الأوروبي يرفض شرط إنهاء عمل «الأونروا» في المخيمات، كما يرفض طريقة عودة النازحين إليها. وأعلنت دائرة شؤون اللاجئين والمكتب التنفيذي للجان الشعبية في المخيمات رفضهما بشكل قاطع لأي محاولات إسرائيلية تهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي للمخيمات، وشددا على أن هذه المحاولات مصيرها الفشل. كما أكدا الرفض التام لأي اشتراط يفرض «مسحًا أمنيًا» لسكان المخيمات، وعدّا ذلك «مساسًا بالحقوق الأساسية ومحاولة لفرض سيطرة أمنية على حياة اللاجئين».ما شدد البيان على رفض أي اشتراطات تمنع النشاط السياسي داخل المخيمات، موضحًا أن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا مجرد مستفيدين من خدمات، بل هم أصحاب حقوق سياسية وإنسانية، ولهم كامل الحق في التعبير عن رأيهم والدفاع عن قضيتهم.طالب البيان بضرورة الحل العادل والدائم لقضية اللاجئين، والذي يكمن في تطبيق القرار الأممي 194 وجميع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.وحذرت جهات فلسطينية لصحيفة «القدس العربي» من نوايا إسرائيل الهادفة إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني وفق مصالحها، مشددة على أن اللاجئ هو كل من فقد منزله ووطنه نتيجة النكبة عام 1948، ومن تبعهم من الأبناء والأحفاد.وقالت المصادر، التي رفضت الكشف عن هويتها، إن الاشتراطات الأميركية هي ذاتها الإسرائيلية، وقد جرى الحديث عنها قبل نحو شهرين خلال زيارة المنسق الأمني لمخيم نور شمس، حيث تم إعلام الجهات الفلسطينية بالشروط التي تتعلق برفض وجود الأونروا، وفتح الشوارع الواسعة بين أزقة المخيم، ومنع ممارسة النشاط السياسي وغيرها من البنود. وشدد المصدر على رفض الجهات الفلسطينية لهذه الشروط منذ البداية، وقال إنها تهدف إلى إعادة هندسة المخيمات وفق التصور الأمني الإسرائيلي.وأوضح المصدر أن المسؤول الأميركي نقل سابقًا رسائل للسلطة الفلسطينية تتعلق بمنع أبناء المخيمات الثلاثة، الذين دُمرت بيوتهم، من إعادة بنائها، ومنع تغيير الصورة الجديدة للمخيمات التي صارت عبارة عن مربعات سكنية تفصل بينها شوارع واسعة.في السياق ذاته، شددت دائرة شؤون اللاجئين والمكتب التنفيذي للاجئين في البيان على استمرار نضال اللاجئين من أجل انتزاع حقوقهم غير القابلة للتصرف. وأكد البيان الرفض القاطع لأي مساعٍ إسرائيلية لتغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي للمخيمات الفلسطينية، مشددًا على أن «كل هذه المحاولات مصيرها الفشل».
دمار كبير
وفي وقت سابق، أجرى مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة (يونوسات) تقييمًا للأضرار التي لحقت بمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس. وأظهرت الصور أن دمارًا واسعًا أصاب المخيمات الثلاثة: ففي مخيم جنين، دُمر 125 مبنى وتضرر 423 مبنى بدرجات متفاوتة، أي ما نسبته 43% من إجمالي المباني. وفي مخيم نور شمس، دُمر 89 مبنى وتضرر 191 مبنى، أي ما نسبته 35%. أما في مخيم طولكرم، فقد دُمر 31 مبنى وتضرر 126 مبنى، أي ما نسبته 14%.وكان وزير الجيش الإسرائيلي قد أعلن في بيان علني عن طرد نحو 40 ألف لاجئ فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمالي الضفة الغربية، بذريعة محاربة وتدمير «البنية الإرهابية»، في أوسع عملية اقتلاع جماعي للفلسطينيين من أماكن لجوئهم، وتدمير شامل لمنازلهم ومصادر رزقهم والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والطرق في الضفة الغربية.وفي تعليق له، قال الخبير في الوكالات الدولية سامي مشعشع لـ»القدس العربي»: «لقد كانت هذه الاشتراطات متوقعة، وأنا أستغرب حالة الاستغراب الفلسطينية لما كان معلنًا من قبل الكيان الإسرائيلي». وأضاف: «عملية الأسوار الحديدية التي بدأت قبل نحو عام كانت أهدافها واضحة، إذ كانت نية الاحتلال استخدام المخيمات كبروفة أولية وحالة لجس نبض الشارع الفلسطيني لمعرفة مدى إمكانية الالتفاف على وجود «الأونروا» في 19 مخيمًا في الضفة الغربية والقدس، والانطلاق بعملية قضم وإنهاء وجودها في المخيمات».وتابع: «وفي الوقت نفسه، كان الهدف تحويل المخيمات إلى جزر أمنية يمكن للكيان السيطرة عليها، منعًا لأي حراك ينادي بحق العودة أو يتضامن مع ما يحصل في غزة من إبادة».وانتقد مشعشع ردود الفعل الفلسطينية، وقال إنها لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب، وهو ما جعل العملية العسكرية في المخيمات الثلاثة ناجحة من منظور الاحتلال، ودفعه للإعلان عن شروطه بوضوح. وأضاف أن «الاحتلال يسعى لتطبيق الخطة نفسها في باقي المخيمات، مع إنهاء مخيم شعفاط في القدس بشكل كامل، وهو ما تحقق فعليًا، إضافة إلى إنهاء وتدمير كامل للمخيمات الثمانية في قطاع غزة».وأشار مشعشع إلى أن السؤال الأهم هو: «ما العمل وما الحراك؟»، وهو ما رآه غائبًا عن كل بيانات الإدانة. كما علق على اللقاء الذي جرى بين مؤسسة تنسيق عمليات الأمم المتحدة في نيويورك و»مؤسسة غزة الإنسانية» من دون دعوة «الأونروا»، واصفًا ذلك بأنه «محاولة للالتفاف على الوكالة وإيجاد آليات تنسيقية من دون دور لها، ما يجعل الأونروا تقف وحدها في الشارع الفلسطيني».يُذكر أنه في التاسع من آب/أغسطس، اجتمعت وكالات أممية رفيعة المستوى في مقر بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك مع ما يسمى «مؤسسة غزة الإنسانية»، وقد تم استبعاد «الأونروا»، وهو ما يثير تساؤلات أعمق: لماذا يتجاهل النظام الأممي الوكالة الوحيدة المكلّفة بخدمة اللاجئين الفلسطينيين؟وختم مشعشع حديثه بالقول إن استبعاد «الأونروا» من اجتماع واحد ليس سوى عرض من أعراض معركة وجودية أوسع، «إذ تواجه الوكالة اليوم محاولة لمحوها بالكامل، ليس فقط عبر وقف التمويل، بل عبر محاولة محو هويتها ومهامها ومرافقها، ومحو الهوية الجامعة للاجئين الفلسطينيين التي يقع على عاتقها حمايتها، «وهو ما يجعلها في حرب وجودية تبدو فيها – للأسف – في موقف الخاسر».
*المصدر : القدس العربي
